ملحق الثقافية

 

من "الملكة المغدورة "إلى "طائر الخراب" حبيب سروري.. سردية الاحتجاج

الخميس , 6 يوليو 2006 م

طباعةأرسل الخبر

 

محمد عبدالوهاب الشيباني

في عمله الروائي الأخير الموسوم بـ «طائر الخراب» يواصل الكاتب الروائي حبيب عبدالرب سروري الحفر «1» على موضوع التعارضات الحادة التي تفرضها العلاقات غير المتوازنة بين الأبطال المحوريين وبين اعتمالات الواقع بتزمينه التاريخي وضغوطاته الاجتماعية «بدرجة رئيسية» والتي تفضي بدورها إلى إنتاج تمثيلات سياسية فجة لهذا الواقع.
فالبطل لم يزل حاضراً في الطرف الآخر من هذا الواقع «بكل مؤثراته» ولم يزل يدور في دولاب احباطاته والتي تغدو تالياً مثالاً صارخاً لتجل سردي يسهل الذهاب به إلى نقاط موغلة في الكتابة الروائية ،فلم يزل هذا البطل «فعلاً» تفرزه وثيقة «تاريخية» قادرة على دمج سيرة صاحبها مع ماينتج في الواقع يومياً لتبيان «حدة» المفارقة.
ولمقاربة هذه المفردات سنحاول تتبع الأثر المترتب على رسم الشخصيات بتحولها إلى مسرودات كتابية قدمت في مجموعة قصصية واحدة «2» وثلاث روايات ارتأينا تقديمها في سياق القراءة «3».
«1»
في «الملكة المغدورة» «4» العمل الأول للمؤلف يكون الأثر الذي يحدثه «حشوان» باعتباره اختزالاً ناضجاً لحال السلطة الغاشمة في الطرف الأخر لحال عدنان ـ المثقف المتمرد.
فالراعي القديم «حشوان» الذي يختزل السلطة باعتبارها منظومة من الشعارات التي تلقن في المدرسة الحزبية وحالة من التراكم العقدي من الآخر سيكون نقيضه تماماً المثقف المتمرد وبطل الشطرنج عدنان القادر على إنتاج مفاهيمه النظرية وتمثيلها بعيداً عن التلقين والنصوص المدرسية، لهذا كان لابد للأول الراعي حشوان ـ وقبل فراره من مدينة عدن بعد أحداث 13 يناير 1986م أن يكلف جنوده وهو على وشكه الانهزام المجيء بعدنان من بيته «ثم حملوه إلى زعيمهم الذي اطلق عليه حوالي عشرين رصاصة قبل أن يغادر عدن في الحال «5».
وحينما عاد مرة أخرى إلى عدن بعد ثمان من السنين ـ أي بعد احتراب صيف 1994 ـ كان قد أصبح «أحد كبار دعاة الليبرالية المنطلقة من عقالها ـ تماماً كما توقع من عرفه قبل وقت طويل ـ فقد اكتفى «حشوان» بإعادة تأهيل لحظية..أسرع كثيراً في دورته الايديولوجية القديمة لأنه عرف بسرعة أنه يستطيع في العمق الحفاظ على ماهو أساسي من تراثه البلاغي وقالب خطاباته مستبدلاً بعض الألفاظ والعبارات في سياق حضورها ونشاطها التداولي. فالديمقراطية غدت بديلاً عن الثورة والسوق محل الاشتراكية وأمريكا بدلاً عن الاتحاد السوفيتي وكل شيء يبقى صالحاً وعمودياً وفصيحاً «مشروعاً حضارياً» كما يُحب أن يقول الآن..فهو من حيث هو طليعي دائماً وراع ِ بارز وكان أول من صاغوا قانون العائلة وهو الآن أول من تزوج بأربع نساء بعد الغاء القانون..أصبح شخصاً واسع الثراء يمضي والمسبحة لاتفارق يده بعد أن أصبح حاجاً هاشاً ورجل دين بارز..البطل «الأوحد» في الحرب على «البيرة والشيعية وأحمر الشفاه..وبعض نساكه الأقربين يتحدثون عن مواهبه الروحية وبالأحرى الصوفية «6».. رواية الملكة المغدورة في مستوى قرائي هي سيرة الكاتب المذابة بسيرة مدينة الشيخ عثمان مسقط رأسه والحاضرة بذاكرته كمكان مشخوص وتحولات بالاستطاعة استعادتها من عمق التذكر وحوافه في آن«7».
سيرة تروي من خارجها الزمني والجغرافي لتضفي على العمل مسوحات تجنيسية ـ سنحاول مقاربتها تالياً ـ فالراوي ناجي المقيم بفرنسا يروي من غرفة رقم «284» بمستشفى مدينة روان الفرنسية نتفاً من سيرة ابن الرابعة عشرة وتداخلاتها ـ القبلية والبعدية على اعتبار ان هذا السن قادرة على التفتق عن وعي واضح بما يحيطها بعد عشرين سنة لتبدو الرواية حسب بعض الدارسين «استقراء للتاريخ الاجتماعي الذي حملته إلينا عن زمن احداثها وعن نفسيات وعقليات شخوصها ووعي ودوافع تلك الشخصيات والرغبات «التي تتلبسها».
كان المتخيل فيها يستند إلى وقائع حية اجتماعية وسياسية في المجتمع سوف تكون «لاحقاً» مادة مهمة للمؤرخ الاجتماعي «8».
الكاتب أو الروائي لم يستقرئ تلك المرحلة من الكتب أو الوثائق وإنما عاشها بتفاصيلها «9».
لهذا يدرك القارئ ان «الملكة المغدورة» كنص استطال ليغطي ثلاث مراحل أو ثلاثة أزمنة سياسية.ان صح التعبير ـ عاشتها مدينة عدن وتقرأ بوعي لاحق لروائي انطلق بداية من لحظة حمله لكيس بلاسيتكي به قطع شطرنج بمليكة مجبرة بسبعة أشرطة لاصقة وانتهى بسرد الحكاية التي آلت إليه هذه الملكة بسبب قيام الأب بتهشيمها بفأس لتقطيع اللحمة حتى بدت هذه الملكة وكأنها بقرت تماماً مثل الأم ـ التي قامت قبل عشرين عاماًبإعادة تجميعها بشرائط لاصقة ـ والتي تنام الآن في غرفة «284» بمستشفى «هوتيل ديو» بروان مبقورة البطن مفضلة الأعداد الفردية على الاعداد الزوجية«10» وفي هذه الوحدة الحكائية المغلقة أنتج الكاتب بنية سردية اعتمدت على: أن مفردات الكتابة وثيماتها مبذولة في حدود الواقع والمتخيل تفرضه ضرورات فنية صرفه على عكس ما سينجزه تالياً المؤلف في عملية الروائيين ومجموعته القصصية.
تداخلات الزمن السردي إلى جانب الاعتماد على الاسترجاعات الفنية التي ستغدو التقنية الاوضح في معمار العمل.
المقابلات العاطفية في حياة الشخصية الساردة ستشكف بعلاقته بانثى واحدة هي ابتهال التي ستعبر بوعي حاد عن لحظة الفوران الشاب قبل أن تتلبس في حالة فقد مروعة بفرض الزواج عليها بالإكراه.
يتبع
 الهوامش:
1ـ الحضر على التعارضات عنوان مادة كتبتها عن مجموعة حبيب سروري همسات حرى من مملكة الموتى، ونشرت في صحيفة الثقافية قبل أن يعاد نشرها كاملة في العدد الثاني من حوليات العفيف للعام 2002م.
2ـ مجموعة همسات حرى من مملكة الموتى ـ ط «1»
مؤسسة العفيف الثقافية 2002م
3ـ المادة المعروضة هنا جزء من قراءات متفرقة لاعمال حبيب سروري وكتبت على أوقات متباعدة اتمنى ان تنجز بآلية متقاربة لردم اية فجوات انشأتها طبيعةالكتابة باوقاتها المتباعدة.
4ـ صدرت بطبعتها العربية الأولى عن مؤسسة المهاجر بصنعاء بترجمة للدكتور علي محمد زيد وكانت قد صدرت أول مرة بالفرنسية عام 1998م عن دار رامان
الملكة المغدورة ـ سابق صـ 236
6ـ نفسه صـ 239
7ـ حوليات العفيف العدد «2»
8ـ مجلة الحكمة العددان «237 ـ 238» ـ نوفمبر ـ ديسمبر
2005م ـ انظر مقالة عبدالرحمن الاهدل الرواية اليمنية والتاريخ الاجتماعي رواية الملكة المغدورة نموذجاً.
نفسه
10ـ
الملكة المغدورة سابق صـ 255 وبعدها.

 

 

 

الجمعة , 22 سبتمبر 2006

ملحق الثقافية

 

من «الملكة » المغدورة «إلى» طائر الخراب» لحبيب سروري ..الخيال بوصفه تمرداً على مسجِّل المحاضر

الخميس , 13 يوليو 2006 م

طباعةأرسل الخبر

 

محمد عبدالوهاب الشيباني
بعد
ستة أعوام تقريباً من صدور الطبعة العربية من رواية «الملكة المغدورة» سيصدر حبيب سروري رواية «دملان» بأجزائها الثلاثة في كتاب واحد«1»
والرواية بفكرتها العامة محاولة للاحاطة بسيرة «وجدان قحطان» منذ كان طفلاً في شارع دغبوس حتى عودته إلى نفس الشارع بعد ربع قرن و«تصردنه» في البيت بعد رحلة دراسية غير مكتملة في فرنسا.
في الزمن الروائي الممتد على أكثر من مكان «اليمن ـ فرنسا» سنتعرف على جملة من المؤثرات التي انتجت هذه الشخصية بحالتها المسرودة وطرائق تعامل الشخصية مع مفردات المعاش الذي أحاطها بدءاً من انتقال الأسرة من «تنزانيا» في افريقيا ـ ولم يزل وجدان طفلاً وحيداً ،ومن ثم الاقامة في شارع «دغبوس» بمدينة الشيخ عثمان قبل ان يبتعث للدراسة في فرنسا وعودته مرة أخرى منهدماً محطماً إلى نفس الشارع عازلاً نفسه عن الخارج مشبها نفسه بأنه محشور في علبة «ساردين» أو صاردين حسب الملفوظ العامي في «عدن» من هنا اشتق لفظ «التصردن» الوارد آنفاً، من هذه العلبة سيخرج لمرة وحيدة في رحلة خرافية إلى مملكة «دملان» برفقة الاستاذ«نجيب».
هذه الاختزالات لاستطالة الزمن والجغرافيا في حياة «وجدان» تكثف الصورة البانورامية التي قدمت لهذه الحياة في الأجزاء الثلاثة من العمل الروائي:
ففي الجزء الأول المعنون شارع «دغبوس» نتعرف إلى الاستاذ نجيب والذي كان بالنسبة لوجدان الاستاذ والأبذي والأب الروحي والملاذ الآمن وكان كلما ضاقت به الدنيا وداهمه شبح اليأس ودوامّات الضياع يتوجه إلى منزله لافراغ كل الهموم والتعاسات مصغياً لكلماته العذبة واجاباته العميقة وهي تنسكب بإيقاع لذيذ شاف فكأنه طفل يصغي لحكايات ليلية وردية تتلوها أم حنون.
وهو الذي أخرجه من العزلة الابدية التي امتدت لثمانية اعوام في رحلة خرافية إلى مملكة دملان وعاصمتها «تنكا» لحضور حفل تتويج «تشومولونجا» ملكاً على البلاد التي يصلان إليها عبر باب «دملان» الذي يفتحه كوكبة من الرجال المدججين بالرشاشات ومدافع الاربي جي والجنابي والقنابل والحقائب الدبلوماسية لاينقص الواحد منهم سوى صحن الديش «3» وعاصمة «دملان»
تقع في «دمل العليا» واسمها التاريخي قرية الزرائب التي سيفد منها «جعفر الدملاني» والذي جاء إلى عدن مثل كثيرين هارباً مما كنا نسميه «شمال الشمال» أكثر المناطق معاناة.
قد تكون مصادفة بحتة قليلة أو كثيرة الأهمية ان يكون اسم المنطقة التي هرب منها «دملان» واسم القرية التي ذاق فيها الامرين «قرية الزرائب» وان صار اسمها المتداول «تنكا». «4»
هذا الشاب الذي سيكون سبباً في خلق مشكلة كبرى «لسوسن» ابنة الجيران سيدفع ثمنها وجدان.. وحين يرافق وجدان على نفس الطائرة إلى فرنسا بعدئذ أي حين صار مبتعثاً من حكومة الشمال كطالب دراسات عسكرية وهو الامي الذي لايقرأ ولايكتب سيغدو قدراً وضع أمامه لم يستطع التخلص منه إلا حين عاد بعد عامين بطلب من الداخل لاداء أدوار أولى في الحكم كما ستقدمها فصول الرواية الأخيرة من خلال الجزء الأول للعمل أيضاً سنتعرف إلى سوسن أول امرأة ستمطر بقلب وجدان الشاب والتي ستتحول إلى محمول رمزي تعاني من الولايات الكثير بدءاً من زوجها العسكري ثم من نظام الحكم وأخيراً من جعفر الدملاني الذي أراد امتلاكها بعد صيف 1994م وهو الذي كان في يوم من الأيام يعمل خادماً لدى جدتها.
في الجزء الثاني من العمل والمعنون بـ «سانت مالو» سنحيا مع وجدان في لحظته الفرنسية منذ وصوله إلى مدينة «فيشي» وانغماسه في تفاصيل الحياة التي اراد أن تكون موزعة على حالتي «الطالب» من جهة والإنسان الساعي لمعرفة محيطه الجديد لهذا ستنشأ بداخله تصارعات حادة بين العاشق الخارج من الإنسان والذى لم يطفئ عطشاً عاطفياً في بلده الأصلي بسبب الظرف الذى وجد نفسه به خصوصاً بعد أن قام بوظيفة خطيب جامع دغبوس نيابة عن ابيه فحمل لقب الامام أو الكهنوت كما وصمته التقارير الحزبية وهو لم يزل طالباً ولم يشفع له بعد ذلك التغيرات التي حاول التعايش معها في مسلكه العام.
جوع عاطفي يقابل بجوع علمي فكان يعوض خيباته العاطفية بانصراف كلي إلى التعلّم «بفضل علاماتي العالية في الرياضيات نجحت في سنة الدراسة الأولى..
صحيح أنني كنت تعيساً لانني كنت ما أزال لا أتنفس رائحة انثى لكنني حاولت كبت تعاساتي بإحراق طاقاتي في التعلم«5»
الح
ياة في «سانت مالو» لم تعكس سوى حالات الخيبة المتكررة «لوجدان» نساء يعشقهن حتى الجنون ويضعن منه في غمضة عين بدء من الممرضة في مستشفى فيشى اللبنانية تغريد ومن ثم «الن» الرفيقة التي يتقاسم حبها مع المناضل الشيوعي.
فريد، فيقف الحظ مع فريد..ولن تعوِّض هذا الفقد عديد النساء اللواتي حاول أن يجعل منهن بدائل موازية فكان الهروب إلى الرياضيات وحالياً الكمبيوتر».
والذي حاول أن يخلق منه معشوقته المكتملة بدءاً من تيماء التي استحضرها في يناير 1986م.. وانتهاءً بـ «أريج مرجان» الجنية التي اختار ليل صنعاء لاستجلابها فكانت السبب في تصردنه اللاحق..وقبل أن يبدأ في الجزء الثالث من العمل والمسمى علبة الصاردين ـ تدوين مقدمات اللحظة حتى اكتمالها «الصارديني» بالرحلة الخرافية إلى مملكة دملان والتي لم تكن هي الأخرى سوى مثل كل كوابيسي الليلة والتي تنتهي بطاغية يصوب بندقيته نحو ظهر فتاة جسدها من نور خالص يختفي وراء جبال «تنكا» وكأنه يغادرها تماماً في هذه اللحظة بالذات استيقظت من حلمي مذعوراً رأيت أمي ترتجف أكثر من أي وقت مضى «6» مماسبق يمكن أن نستخلص الآتي:ـ
1ـ الرواية بمجملها اختارت الاشتغال على موضوع الخيال بدرجة رئيسية بدءاً من الرحلة إلى مملكة «دملان» وصولاً إلى استحضار «اريج مرجان» المعشوقة الجنية ولم يقتصر الأمر على ذلك بل تعداها إلى اعادة رسم لشخصيات «أنموذج جعفر الدملاني» وخلق سيرهم بموازاة سيرة الراوي.
واعتبر مؤلف العمل أن كاتب رواية الخيال هو رب روايته يخلق شخوصه كيفما شاء، يحدد مستقبلهم كيفما شاء..
كاتب رواية الخيال يخلق الواقع من دماغه فيما كاتب رواية الواقع لايختلف كثيراً عن مسجل المحاضر «7» والرواية في ذلك تسجل حضوراً مختلفاً عما قدمه المؤلف في رواية «الملكة المغدورة» التي حاذرت التحليق في عوالم الخيال واكتفت الاستغلال على «فانتازيا» الواقع.
نصيب الرواية من كتابة السيرة سيكون أكثر تعييناً، فالراوي وجدان يقترب في تقديم سيرته الرواية من سيرة المؤلف الذي سيظهر في بعض من لحظات السرد راو تبادل موقعه مع الراوي الأول «8» أو سيكون في موقع المروي عنه والمعرف في المتن أو المشار إليه بالأحرف «ح.ع.س» «9».
الدكتور/حاتم الصكر في دراسته للعمل رأى أن هذا العمل يميل إلى المطابقة المفترضة في السيرة حتى أن عمل المؤلف ودراسته العلمية ترشح للمطابقة لأن وجدان من وجهة النظر هذه يدرس الفيزياء في فرنسا ويعود منها مطلع التسعينيات «10».
هذه بعض المقترحات التي تقدمها «دملان» لقارئها مسجلة بذلك حضوراً مميزاً حاول المزج في آن بين الواقع بتماثلاته والخيال بجموحه راسمة صورة أخرى من صور الاحتجاج الذاتي للبطل الذي لايجد سوى «التصردن» أو الانعزال ملاذاً من الانهدامات الكبرى.
 الهوامش:ـ
1ـ دملان ـ الأجزاء الثلاثة رواية ـ حبيب عبدالرب سروري ط «1» مؤسسة العفيف الثقافية ـ صنعاء 2004م.
الرواية ص7.
الرواية ص27.
الرواية ص77.
الرواية ص179.
6ـ الرواية ص455 ومابعدها.
الرواية ص223.
8ـ انظر الصفحات 288 ومابعدها.
9ـ يورد في المتن: ساهمنا ثلاثتنا في نشاطات المنصة اليمنية..قمت مع ح.ع.س وآخرين بالعمل كنادلين نوزع صحون الزربيان.
10ـ انظر د/حاتم الصكر الرواية والسيرة الذاتية من المماثلة إلى المطابقة ـ نموذج «دملان» لحبيب عبدالرب سروري ـ ورقة قدِّمت إلى فعاليات مهرجان الأدب اليمني الرابع مايو 2005م صنعاء اتحاد الأدباء والكتاب.

 

 

من "الملكة المغدورة "إلى "طائر الخراب".. حبيب سروري.. الطائر..تاريخ محكي 3-3

الخميس , 20 يوليو 2006 م

طباعةأرسل الخبر

محمد عبدالوهاب الشيباني
في
رواية طائر الخراب «1»سيكون الاشتغال على الموضوع الروائي قد أكمل سياقاً متقارباً تؤطره جملة من«المحددات» «2» بالإمكان اختزالها بالتالي:
الانهدامات التي تسيطر على الشخصية الروائية تبدأ من لحظة اغتصابها في كوكبان اليمنية وهي طفلة «4»ولاتستطيع التخلص من هول الفاجعة طول حياتها حتى وهي تعيش برفقة زوج يحبها في باريس ،لأن الإحالة الدائمة تكون بالنسبة لها إلى طفولة هي من وجهة نظر الأخت الصغرى أبشع وأسوأ سنوات «حياتهما» فليس لهما طفولة مطلقاً فقد انتهت هذه الطفولة منذ البدء«5» بفعل طائر الخراب الذي يتراءى لها في كل مناسبة وفي كل لحظة تحاول أن تحياها خارج هذه الذكرى المؤلمة وتبعاً لذلك يغدو الأسطورة الذي يحرس باب مملكة الخراب..يأكل جيفها..ينقر عيون ساكنيها قبل التهام جثثهم حسب الراوي «6»بالمقابل سنجد «الراوي» أو الزوج لايعيش بمعزل عن هذه الانهدامات ، فالغموض الذي سيطر على حياة «الهام» أو الزوجة ويتوج باختفائها الغامض من منزل الزوجية ومن كل الأماكن المفترض تواجدها فيها بسبب تراكمات الديون التي عليها لمؤسسات أقراض سيكتشفه الزوج بعد هربها حين يجد تفسيراً للحالة من واقع مذكراتها الشخصية فيقول:
اندلع أول قرض لإلهام بعد حوالي سنة من حياتنا المشتركة فتحت لدى إحدى الشركات حساباً من أجل شراء هدية ثمينة لي وفي الشهر التالي واصل القرض عرض ضخ مالي جديد لتقع إلهام في فخ الشركات الآثمة المحتالة لتكثر بعدها أقساط التعويضات هنا وهناك ...«7»
هذا الوضع سينعكس على حياة الزوج الشخصية والعملية وسيقوده إلى بيع المنزل لسداد ديون الأقراض ومن ثم العودة إلى اليمن للبحث عنها أو التواصل مع اختها الصغرى لمعرفة مكان اختفائها.
وفي رحلة العودة سيكتشف هول الطائر وما يفعله في هذه المملكة وفي حياة الناس البسطاء.
منذ خطوتك الأولى في مدينة المهد تكتشف أنك تسير في مدينة عدوانية لاتنم بصلة إلى الشيخ عثمان.هذه الواحة العدنية الشعبية التي كانت مزدحمة بالابتسامات والضحك صارت اليوم مقبرة..هذا الطريق الذي كانت تملأ مقاهيه اللقاءات الودية الضاحكة الذي كان مختبر النكتة ومصنع التعليقات اللذيذة صار اليوم ملجأ لأفقر جياع اليمن للمعوقين والمحطمين والمرضى والمجانين، والمهزومين من كل نوع ولحشد هائل من الوشاة والمخبرين والمعتوهين والمحتالين والنصابين والعدوانيين وحده الجوع يكتسح ملامح كل الأوجه،الاحياء هنا لايفصلهم أكثر من شبر عن المقبرة ..الجياع نائمون في كل الشوارع.. الأطفال يداهمونك في كل ركن بأنصاف جسد ببعض دماغ بنظرات فاغرة حزينة«8».
الملاحظ أن أعمال سروري الروائية على صلة به كمؤلف حتى أن المطابقات التي يفترضها بعض النقاد «9»تنبع أساساً من التماسات الناشطة لفعل الأبطال الروائيين بسيرة المؤلف أو جزء منها.
فالبطل في الملكة المغدورة ..سيكون بمقدوره أن يحيا الكثير من طفولة المؤلف في الشيخ عثمان خلال النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي والإعادة من نقل الأم إلى مستشفى «هوتيل ديو» بمدينة روان الفرنسية حيث يقيم المؤلف أصلاً..وفي «دملان» سنجد في سيرة «وجدان قحطان» بشارع دغبوس في طفولته أولاً وفي تصردنه لاحقاً وما بينهما من تواجده بفرنسا كطالب رياضيات وما تحدثه بعض التقاطعات التي تشير للمؤلف بأحرفه الأولى «ح،ع،س» في مرويات وجدان «10».
وفي طائر الخراب سنجد مايشير إلى بعض من سيرة المؤلف المكانية خصوصاً فيما يتعلق بفضاء الرواية والمقتربات من طبيعة عمل الراوي وتقابلاتها بوظيفة المؤلف:
«كنت قد تعرفت على إلهام صدفة «يوم 20اكتوبر 1990م» وأنا أتوجه لإلقاء محاضرة علمية في جامعة نانت في شمال غرب فرنسا بدعوة من زميل قديم ذهبت وزميلي عقب المحاضرة للتسكع قليلاً في الاحياء المجاورة للجامعة..بدأنا باستجرار ذكريات دراستنا المشتركة في سنة الماجستير في «جوسيوه» جامعة باريس ..وعرف أخباري المماثلة وتحضيري الحالي بوله صوفي وسرعة جنونية لمرور الدكتوراه الثانية:أطروحة «التأهيل لقيادة الأبحاث» التي تفتح الطريق للتحول إلى بروفيسور جامعي »«11»مايهمنا من هذا الاجتزاء وتواريخه أن حبيب سروري وحسب المقتضب من سيرته الواردة في نهاية الكتاب أنه من مواليد اغسطس 1956م بعدن..بروفيسور منذ 1992م يقوم بتدريس علوم الكمبيوتر في قسم الهندسة الرياضية في المعهد القومي للعلوم التطبيقية وجامعة روان بفرنسا.
الاحتجاج الحقيقي الذي قدمه نموذج عدنان في رواية «الملكة المغدورة» تمثل بكونه مثقف قادراً على انتاج رؤاه وافكاره خارج نسق القولبة وخطاب الإيديولوجيا والتلقين ولهذا السبب ظهر نقيض حاد لنموذج حشوان «الراعي القديم» باعتباره اختزالاً لسلطة غاشمة تقدم نفسها من خلال مجموعة من الشعارات التي تلقن في المدرسة الحزبية..احتجاج يدفع ثمنه غالياً وذلك حين يقوم حشوان بقتله.
«وجدان قحطان» في رواية دملان يُعبر عن احتجاجه الذاتي بالانعزال التام عن العالم الخارجي بعد سلسلة من الانهدامات العاطفية وخروجه الوحيد سيكون إلى المملكة الأسطورية دملان وعاصمتها تنكا،والتي تحيل في مطابقتها للبلاد ذاتها..أما الاحتجاج الذي سيقدمه البطل الروائي في «طائر الخراب» سيكون بالنقد المباشر لأوضاع البلاد «الزواج السياحي /الانتهاك الجنسي/الجوع/عمالة الأطفال/النفوذ القبلي والعسكري» في سياقات محكية تحتل فصولاً متعددة وستربط كلها بالفترة التي عاد إليها إي البلاد للبحث عن زوجته.
يكثر حبيب سروري من استحضار تواريخ بعينها في اشتغالاته على خلفية تحويلها إلى محمولات رمزية تسند الأفكار التي يوجهها بواسطة المحكيات السردية في المتن في عمل طائر الخراب سيختار تاريخ 22/مايو/1990م لتلاقي الروائي ـ البطل ـ بالهام:
اخترت ليوم توحدنا الأول هذا الديكور الفردوسي المترامي تحت أقدام فيلا ارستقراطية..استأجرتها لهذا اليوم الخالد..وحدها تلبي كل ما اصبو إليه من تفاصيل ونزوات مقدسة صغيرة..كان هذا اليوم الربيعي الرائق 22/مايو/1990م مصادفة ثانوية عرضية جداً لاتسمن ولاتغني من جوع من وجهة نظر السُلم الحجري ومن وجهة نظر رمل الشاطئ الناعم الذي سنسترخي عليه بعد قليل «12».
وسيختار تاريخ 17يوليو2000 لعودة الراوي إلى اليمن للبحث عن زوجته:
البلد الذي تصله في 17يوليو2000 لاتعرفه من قريب أو من بعيد تجد نفسك فيه غريباً تماماً مسلوباً حتى مخ العظم..واصلت مسيرتك دون أن تنظر إليه، تساءلت هل ستلجأ بائعة الخاتم ذات العشرين سنة بالكاد إلى الزواج السياحي بعد أن تستنفذ أمها الألف ريال؟!..البلد الذي وصلته لاتنتمي إليه فعلاً «13».
 الهوامش:
1ـ طائر الخراب ـ رواية ـ حبيب عبدالرب سروري طبعة أولى 2006م مؤسسة العفيف الثقافية ـ صنعاء.
وضعنا كلمة محددات بين قوسين لأن ثمة أدواراً تتبادلها أفكار متشابهة في الأعمال الثلاثة تتحول إلى محددات تتحكم بموضوعات الكتابة عند المؤلف.
3ـ في تناولتنا الثانية لأعمالة حبيب وتحديداً فيما يتصل برواية «دملان» استشهدنا بما أورده الدكتور حاتم الصكر في دراسته المعنونة«الرواية والسيرة الذاتية من المماثلة إلى المطابقة» والذي رأى أن هذا العمل يحيل للمطابقة المفترضة في السيرة..ينظر الثقافية العدد «345»الخميس 13/يوليو2006م.
4ـ في الصفحة «222» من رواية طائر الخراب ترد إشارة من نعيم الأخت الصغرى لإلهام حين تقابل الراوي الباحث عن زوجته بقولها:«من الأفضل أن يفترسك طاهش على أن ينتهك محارمك أب».
الرواية ص218.
6ـ ينظر صحيفة الأيام العدد 4733تاريخ 12/3/2006م موضوع محمد ردمان الشعبي ـ قراءة في رواية طائر الخراب.
7ـ الرواية ص122 ومابعدها.
8ـ الرواية ص140ومابعدها.
9ـ ينظر د حاتم الصكر.
10ـ ينظر موضوع الخيال بوصفه تمرداً على مسجل المحاضر الثقافية عدد13/7/2006م للكاتب.
11ـ الرواية ص12ـ13
12ـ الرواية ص11ـ12
13ـ الرواية ص139ـ147