إلقاء القبض على" طائر الخراب"

 

عبد الباري طاهر

 

طائر الخراب رواية جديدة للروائي اليمني الكبير البروفيسور عبد الحبيب سروري الخبير الدولي في علوم الحاسوب والأستاذ في جامعة فرنسية"روان".

وقد طبعت الرواية في مؤسسة العفيف الثقافية"صنعاء" أواخر العام الماضي. وحملت رقم الإيداع بدار الكتب 420/2005. نزلت الرواية إلى المكتبات والأكشاك دون عوائق.

كانت المفاجأة عندما قامت المؤسسة بإرسال عشر نسخ من الرواية للسارد د.حبيب، فتصدى ضباط في مطار صنعاء لعملية "تهريب" الرواية المطبوعة في صنعاء إلى الخارج! . وحتى لا تفسد على القارئ متعة معرفة حقيقة الجهل الرسمي، وتجاوز الصلاحيات  ، والعدوان على النظام والقانون، ومزاجية تصرفات ضباط في واجهة من أهم الواجهات التي نطل منها على الآخرين. ويطل الآخرون منها على اليمن السعيد. فإننا نترك للروائي حبيب سروري أن يسرد محنة روايته التي منعت من مغادرة مطار صنعاء إلى باريس. وكأنها عار يمني أو سوءة يجب سترها.

في رسالة تعث بها سروري إلى اتحاد الأدباء والكتاب ونقابة الصحفيين إن العسكري قد منع خروج الرواية، وإن اعتراضه كان منصباً على العنوان؟!. وقد استمر الجدل ساعتين بين العسكري وحامل الرواية. ويشير حبيب- ومعه حق- إن المتعارف عليه في بعض الدول القمعية منع بعض الكتب من الدخول، ولكن منع خروج الكتب الصادرة  من  نفس البلد إلى الخارج قفزة نوعية، اختراع جديد رائد في الجهل والقمع والخراب حسب تعبيره!

وربما إن العسكري المحتشد لمكافحة أنفلونزا الطيور قد التبس الأمر عليه بين طائر الخراب، وطائر أنفلونزا الطيور، وبين الدخول إلى البلاد والخروج منها. فمنع خروج الرواية.

لا ننسى أن هذا العسكري الذي ينشئ على ازدراء المواطن، والكراهية المطلقة للحرية والعداوة للمعرفة والعلم والإبداع. ويعبئ يوميا ولحظيا عبر الخطاب المجرم للمعارضة السياسية والمخون للصحفيين. والمشكك والزاري بالقلم وأهله. فماذا ينتظر منه؟! ثم إن عمله بالمطار لا بد وأن يتيح له حرية ممارسة نفوذه، وفرض مزاجه العكر على الآخرين، وحشر أنفه فيما يعنيه وما لا يعنيه.

شكوى السارد حبيب ومحنة روايته الممنوعة من السفر إلى الخارج تكشف عن دلالات ومعان فاجعة. فأمن مطار صنعاء الذي فشل عشرات المرات في وقف الاعتداءات المسلحة والإرهابية على المطار يتصدى بحزم لمنع "تهريب رواية" للخارج. وكان أمن مطار صنعاء مكلف بالحفاظ على دقة العناوين الأدبية، ومدى رومانسيتها. فهذا الضابط الذي لم يقرأ الرواية، وربما لو قرأها لم يفهمها. لأنه لم يفهم العنوان الذي يريده أن يتغير إلى "طائر الحب أو طائر الأشجان"؟!

لا يمكن مجادلة الضابط بالمجاز أو الكناية أو الاستعارة، ولكنه إذا كان قد فهم أن طائر الخراب عار وشنار فلماذا يرضى ببقاء هذا العار في اليمن، ولا يسمح بخروجه منها إلى أي بلد. وصعب إفهامه بأن الرقابة السابقة أو اللاحقة على الصحف والكتب محظورة بموجب الدستور اليمني وقانون الصحافة رقم 20 لسنة 90؟! وإن منعه خروج نسخ من رواية طبعت في مطابع حزب الحكم تجاوز للاختصاص وتطاول على الحريات، وحرية الرأي والتعبير تحديدا والسؤال الحارق ما الذي يدفع جندياً أو ضابطا أمنيا للاعتداء بسهولة وبساطة على حقوق الآخرين. وتحديد ما يجوز وما لا يجوز خارج اختصاصه؟!

يعرف هذا الضابط ونعرف ايضا أنه لن يسأل عن فعلته. ولكن هل يستطيع هو أو من عينه عينا على الكتاب أن يبرر مثل هذا الفعل الشائن؟!

حادثة رواية "طائر الخراب" ليست معزولة عن سياقات قامعة متنوعة ومتعددة للحريات الصحفية في اليمن، وبالأخص خلال الأعوام الماضية وصلت ذروتها في العام 2005م وكانت من ثمارها المرة الكريهة تصدر اليمن قائمة الدول القامعة للحريات الصحفية.

كان رصد المنظمات المدنية والصحفية اليمنية والدولية لانتهاكات العام المنصرم فاجعاً. فلم تكتف أجهزة الدولة بجرجرة الصحفيين إلى المحاكم. وصدور الأحكام الجائرة بإيقاف ثلاث صحف بضربة لازب!!.. الأسبوع، التجمع، الراصد، كما صدرت أحكام بالسجن والتغريم للعديد من الصحفيين. ومع هذا النكال الوفير فقد تعرض صحفيون للاختطاف والضرب والتهديد بالقتل. ومارست أجهزة عسكرية وأمنية أعمال الاختطاف والترويع.

وتعكف الدولة على سن قانون جديد للمطبوعات يقضي على ما تبقى من هامش ضيق ومحدود للحريات رغم رفض الصحفيين للمشروع جملة وتفصيلاً.

في العام الماضي رفضت وزارة الثقافة دخول كتاب الانتصار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لعالم مجتهد ومجدد من أفضل علماء الأمة العربية والإسلامية. إنه الإمام يحيى بن حمزة صاحب الطراز في البلاغة، وهو مؤلف لا يقل أهمية عن الإعجاز أو أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني. وكانت بداية العام الجديد منع رواية حبيب سروري طائر الخراب. وكانت قائمة العام أيضاً إنكشاف التجسس على الهواتف كالذي تعرض له مراسل الجزيرة الأديب احمد الشلفي وأثار ردود أفعال غاضبة في الوسط الصحفي.