لماذا تنقطعُ الكهرباءُ كثيراً في هذا البلد؟

 

حبيب عبدالرب سروري

 

في مقال نشرْتُهُ قبل عام بعنوان: «عن اليمن، ما ظهرَ منها وما بطَنْ» تطرَّقْتُ لقضايا ترتبط بالأوضاع الثقافية والعلمية في اليمن. جاء فيها ذكر «المؤتمر العلمي الرابع» الذي نظمتْهُ «مؤسسة البحث العلمي اليمنية» آنذاك. ولأن هذا المؤتمر يُنظَّمُ سنويّاً في نفس هذه الفترة، فقد أحببتُ متابعةَ أخبار انعقادِهِ في هذا العام. لِشفاء غليلي لجأتُ إلى أنترنت. قادتني «موتورات البحث» فيه إلى موقع «مؤسسة البحث العلمي اليمنية»:

http://www.ysrf.org.ye

في رأس صفحة الموقع رابطٌ للتعريف بهذه المؤسسة، يقول إنها «مؤسسة غير حكومية. مؤسسها المواطن: علي عبدالله صالح. رئيسها المواطن: عبدالكريم الارياني». أرجو المعذرة: لم أفهم شخصيّاً كيف يمكنها أن تكون منظمة «غير حكومية» ومؤسسها رئيسُ البلاد والجيش والحزب الحاكم، ورئيسُها أمينُ عام الحزب الحاكم، ومن بين أعضائها وزراء ومسئولون حكوميون كبار!...

شعرت أن هناك لغزاً جديداً ينضافُ لِسلسلة الألغاز اللانهائية التي تضجُّ في رأسي عندما أتابعُ بإخلاصٍ وشَغَف أخبارَ هذا البلد! فتحتُ في ذلك الموقع الرابط الخاص بالمؤتمر العلمي لِعام 2005. فوجئت بهذه العبارة: «تعتذر مؤسسة البحث العلمي اليمنية عن تنظيم مؤتمر 2005 وذلك بسبب سياسة التقشف الحكومية القائمة». تزاحمَتْ الألغازُ في رأسي أكثر فأكثر: كيف يمكن لمنظمة «غير حكومية» أن تعتذر عن تنظيم مؤتمر علمي بسبب التقشف «الحكومي»، لاسيما أن تنظيم المؤتمرات العلمية مُدِّرٌّ مالياً للجهات التي تنظمها بفضلِ الرسومات المالية للمساهمين فيها، وبفضل الدعم الكبير التي تنالهُ تلك المؤتمرات (إذا ما نُظِّمتْ بشكلٍ علميٍّ صحيح) من المؤسسات الاقتصادية المحليّة والخارجية (الشركات العالمية للكمبيوتر وفروعها المحليّة، المؤسسات الإنتاجية الكبرى...) لِمجرَّدِ بروزِ الأسماء والعلامات التجارية لِتلك المؤسسات كجهات داعمة (Sponsors) على واجهة مواقع تلك المؤتمرات العلمية على انترنت وفي أغلفةِ مطبوعاتها... ناهيك عن المردود السياحي للبلد عند وصول المساهمين في المؤتمرات إليه!

تعقَّدت الألغاز في دماغي تماماً! غير أن رابطاً جادَ به «موتور بحث انترنت» قادني إلى موقع يمنيٍّ آخر على أنترنت أجلى لي، بشكل غير مباشر، أسرار كلِّ هذه الألغاز! قادني هذا الرابط المدهش:

 http://www.almotamar.net/19798.htm

إلى خبرٍ نُشِر في موقع «مؤتمرنت»، موقع الحزب الحاكم في اليمن على أنترنت، بعنوان: «آية من القرآن تُغيِّر سرعة السيارة في أقل من الثانية». هاهو الخبر أوّلاً كما نشر بالحرف الواحد:

«تمكن أحد الباحثين بمعهد بحوث الإلكترونيات بالمركز القومي للبحوث من ابتكار أحدث أسلوب للتحكم في سرعة السيارة باستخدام مبدأ تجمع الكائنات الحية حيث بلغ معدل هذا التحكم واحدا علي عشرين جزءا من الثانية وهو معدل عالمي جديد كشف عنه الباحث معتمدا علي آيات القرآن الكريم وبالتحديد الآية في سورة الأنعام (( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء )) ومن خلال هذه الآية الكريمة ركز الباحث علي حياة نحل العسل والتعاون بين أفراد النحل سواء عن طريق اللغة أو الإشارات فكان هذا بمثابة الفكرة المحورية التي أسسها افتراض الباحث مجموعة من الحلول الثوانية لأي متغير يراد وحوله إلى قيمة مثالية بتعاون هذه الحلول فيما بينها بطريقة متشابهة لما يجري في النحل ولكن بعد ترجمتها إلى عدة معادلات رياضية معينه للوصول إلى الهدف المنشود وبالفعل وبعد عدة تجارب نجحت الفكرة من الناحيتين العلمية والعملية بتطبيق هذا النوع من التحكمات التحكم بتجميع الكائنات الحية وأعطي نتائج مذهلة حيث أمكن التحكم في سرعة السيارة في زمن قدره واحد علي عشرين من الثانية.»

 

أعترف أني قرأتُ هذا الخبر عدَّة مرات ولم أفهم منه شيئاً! لا أعرف شخصيّاً أي نوعٍ من القات يسمحُ بكتابة هذا النوع من الأخبار. ثمَّ أني كنتُ أظن أن زجَّ الدينِ في قضايا علميَّة بحتة هو من اختصاص الفقهاء الظلاميين لاغير. سمعت قبل فترة في إحدى القنوات الخليجية أحدهم يقول بالحرف الواحد: «إن علماء العالم جميعا أثبتوا أن ماء زمزم لا يمكن أن تحيى فيه أي جرثومة! عندما يدخله أي ميكروب يموت في الحال!». بديهيٌّ أن هذا افتراء مقرفٌ يحتقرُ عقلَ المشاهد بشكل مطلق. لِماءِ زمزم بالتأكيد خصائص روحيّة ودينيّة هامة في مشاعر كلِّ المسلمين، لكن لا علاقة لها بخصائصه المادية كماءٍ يتكوَّنُ من الأوكسجين والهيدروجين، ويمكن أن ترتع فيه الجراثيم مثل أي ماء آخر تماماً! لا أعتقدُ شخصيّاً أن ذلك الفقيه سيتجرأ أن يرتشف جرعةً من ماء زمزم تمَّ تلوُّثُها بالجراثيم أمام عينيه!...

الحق، لم أكن أتوقع أن «معهدَ بحوثِ إلكترونياتٍ» ما، يُمكِنهُ أن يُقحمَ آيةً قرآنيةً مقدَّسة في مواضيع علميّة لا علاقة لها بها من شقٍّ أو طرَف، مستخدماً بذلك نفس المناهج الظلامية التقليدية التي تضرُّ الدين ولا تنتمي إلى طرائق البحث العلمي بشكلٍ أو بآخر!

ما زاد استيائي هو أن موقع «مؤتمرنت» كان نفسه قد نشر قبل ذلك على هذا الرابط: http://www.almotamar.net/10963.htm

موضوعاً خُرافيّاً عن طفل ولد في مشارف تعز، بعنوان: «مولود تكلَّم مثل المسيح وولد في ذكرى مولد النبي محمد»، تناولهُ الكاتبُ الرائع منصور هائل بنقدٍ عميقٍ يصعب بعده الخوضُ في هذا الموضوع من جديد.

ما يهمُّني هنا هو أني وجدتُ في اكتشاف «معهد بحوث الإلكترونيات» ما يكشف لي بعض الأسرار المبهمة التي تحدَّثْتُ عنها في البداية! بدأتُ أيضاً أستوعبُ أكثر فأكثر لماذا تنقطع الكهرباء كثيراً في هذا البلد!